على صدرِها رميتُ رأسيَ المشتعل .. أوقده الفكرُ وفشلتُ في إطفائه ..
برُدَ الجسمُ قدرَ حرارةِ الرأسِ .جسمُها دافئٌ كما اعتدتُه
هي :
- ما لك يا آدم ؟ ،، قالتها وعينُها ذاهلةٌ
- تعبان ؟
لم أجد ردًّا ،
سقطت دموعي مُستَجدِيَةً حنانًا أكثرَ علَّها تضمني أكثر
علَّ دِفئها ينتقلُ لجسدي الهزيل
،، بكت معي لا لتشاركني الحالةَ وإنما لأنها أشفقت عليَّ
ربما لم تتخيل انهياري يومًا ،،
لا ،
كان إشفاقُها على نفسها
كيف لي أن أُكِـنَّ كلَّ هذا الحبِّ لغيرها وهي التي لا ترجو من دُنياها غيرَ ابتسامتي !
لم يُوقِف بكاؤها بكائي ؛ طمأنني أنِّي لن أكونَ وحيدًا .
نحيبـي كادَ يعلو فيسمعه المارَّةُ في الشارع .
تحتَ البطانية اعتلتني ولم تَدَع دمعةً عليَّ غير دمعاتها الهاطلة
( عاشت حالةً من الوَجْدِ رائعةً )
مولاي إنـي ببابك قد بسطتُ يـدي ..
كان جسمي طائعًا قابلاً لدفقاتِ الحرارةِ ، زالَ البردُ منه بينما الرأسُ عصا !
***
جلستُ في المطعم غيرَ راغبٍ في ردِّ تحيَّةِ الشاب السائلِ عن غيابي في الفترة الأخيرة
- هات لي قهوة
مُنكَّسَ الرأسِ سارَ ، والإحراجُ بادٍ عليه ..تأخَّرَتْ ساعةً ،، جاءت مُمسِكَةً يدَهُ .
من خلال الزجاج استطعتُ تحديدَ ملامِحِه ، كان وسيمًا حَسَنَ الهيئةِ ،، تشابكت أصابعُهما ..
برلنت : أهلاً ،
قالتها مادَّةً يدَها اليُمنى مُصِرَّةً على تشابُكِ يُسراها بيُمناه .
لا أدري بالتحديد متى أفَقْتُ وسلَّمتُ عليهما .. ربما لم أُسَلِّم عليه
كُنتُ مَشدُودًا لِقَصَّةِ شَعرِها الجديدةِ و فُستانِها السَّماويِّ .
ملامِحُه لا تحملُ من الرُّجُـولةِ قدرَ ما تحملُ من الأنوثةِ حتى إني كنتُ مُثارًا نحوه
قَطَعَت برلنت خيالي : طَـلَـبْتَ مُقابلتـي ، وحَضَرْتُ ، احكِ ما تُريد ؟
لَحِظَتْ ثباتَ عيني عليه
فقالت : إساف صديقي .
هززتُ رأسي مُبتَسِمًا ،
قلتُ :
- ولِمَ جئتَ يا إساف ؟
ردَّت بعصبيَّةٍ :
- كان عندي ولما عرف أني خارجة أصرَّ أن يوصلني .
أيَّدَ كلامَها بصوتِه الرقيق :
- صحيح .
سقطَ نظري على الطاولةِ فتَحرَّجَ
- إذا أردت أن تكونا على انفراد ممكنٌ أن أمشي ، ولما تتصلوا بـي آتـي ।
***
هي : متى سأراكَ ؟
- لا أعرفُ .
قلتُها وسِرتُ هائمًا وقد غيَّبَ السُّـكْـرُ عقلي وسيَّارتي
وقفتُ تحتَ بيتها مُتأمِّلاً حولي مستوضحًا مكانَ السيَّارةِ
( يمكن أنا مش هِـيِّ البنت اللي مفكر فِـيَّ بس إنـِّي رح فِـلّ رح تتندَّم عَـلَـيِّ
ويا سلام على بكرة يا سلام يا سلام من هلَّأ يا سلام ) ( رنة المحمول بصوت فيروز )
هي : ألو ، لِمَ تركتَ سيارتَك ؟
- لا أجدُها
هي ( باكيةً ) : أنا نازلة أوصلك للبيت
وصلنا بيتي و لما صعدنا وحمَّمتني عاودَت ممارسةَ طقوسِها التدليكيةِ لجسدي المُنهَكِ
أخرجتُ قميصَ أولِ لقاءٍ و البنطالَ
لم أحتمل فرحتي حين ارتديتُهُما في لقائنا هذا ،
كنتُ أجري في الغرفة لأرقصَ فوقَ السرير رقصتي الصوفيةَ
وأداعبَ ملامحي في المرآة وأجرح وجهي بماكينة الحلاقة
I feel you in every stone in every leaf of every tree that grown (*)
(*) أُحِسُّ بك في كُلِّ حجر وأُحِسُّ بك في كـُـلِّ ورقةِ شجرٍ زُرِعَتْ .
أخرجُ والعطرُ يُداعِبُ أنوفَ الجميع ، أجدُها في انتظاري مُبتسمةً رقيقةً ،،
أصطحبُها إلى هنا إلى الطاولة نفسها ،، هذه آخرُ ليلةٍ أرى فيها حلمي الشنيعَ الذي أموتُ فيه ،،
أحلقُ سارحًا ، أجرحُ وجهي ، أبكي
[ بودَّعك وبودَّع الدنيا معك ] ( برلنت تتصل )
آدم : ألو ، الساعة الخامسة بالتمام ، لن أتأخر ، برلنت فكّري قبل اتخاذ موقفك واذكري حبنا ...
أنهَتْ المكالمةَ بعدما ألقمتني حجرًا : ( لا تتأخر ، لا أحبُّ الانتظار ) .
لم أكد أغلق الخط حتَّى صرخت فيَّ :
هي :- " بردو هتروح ؟ " حرام عليك نفسك يا أخي
تُحِبُّنـي لكِـنِّي أخبرتُها أنِّي لستُ لها ،،
رغم إنها سخَّرت حياتَها لي واصطفتنـي لأفُضَّ بكارتها دونَ غيري ممن تيَّمَهُم جمالُها ...
المشكلةُ الآن ليست في غضبها فهي تحبني ولن تقدرَ على بُعدي ،،
المشكلةُ في برلنت العنيدة حقًّا أرهقت عقلي ، كيف أقنعها بالتراجع عن قرارها هذا ؟
إخوة ؟؟ كيف ؟ لا يكون الحبيبُ أخًا كما أنَّ الأخ لا يصير حبيبًا ،، إمَّا أن تقتنع وإمَّا ...
***
برلنت : لم أفهم ساعتَها معنى كلامِه
فهمتُ فقط أنه سيفعلُ شيئًا أندمُ أنا عليه لكن لم أكن أتصوَّر أنه ....
( علا صوتُ نحيـبها حتى أبكت الرقيقَ )
إساف : وماذا بعد ؟؟
برلنت : لا شيء ، عندما أتاني خبرُ انتحاره أسرعتُ إلى مستشفاه فإذا به في حالة ميئوس من علاجها
قالي لي طبيبُه ذلك ، ظلَّ ساعاتٍ بين الموت والحياة ،،
كان جسدُه قد احترق بما لم يدع للطبيب فرصةً لعلاجه ،،
أفرغ زجاجات الفودكا على جسده العاري في الحمام فلما رجعت صاحبته التي نقلته للمستشفى
وجدته يصرخ وجِلدُه يتساقط على الأرضِ ،، اتصلت بالطبيب فأرسل لها سيارة مُجهَّزَةً
إساف : ومن اتصل بكِ ؟
برلنت : هو قال لها أن تتصل بي ، وعندما وصلتُ كان قد قَرُبَ قضاؤه ،
منعَه الطبيبُ من الكلام إلا أنه أصرَّ أن يحدِّثني فدخلتُ إليه ...
( تبكي ويبكي شابُّها الرقيق )
إساف : لا تحزني حبيبتي أنا معك ، ألم تخبريني من قبل أننا سنكمل حياتنا معًا ؟؟
برلنت : نعم ، سنكمل حياتنا معًا ،، لم يعد لي في هذه الدنيا سواك
إساف : إذن دعكِ من حزنك ولنستمتع بحياتنا .. الحزنُ لا يُرجِعُ الموتى .
برلنت : كلِّم بابا في الإسراع بإتمام الزواج .
إساف : صحيح يا حبيبتي ؟
برلنت : صحيح .
تمسح دموعَها وتدخلُ حمامَ المطعمِ لتغسلَ وجهَها وتصلحَ مكياجَها ، تخرجُ مبتسمةً
( حاولت رسمَ هذه البسمةِ بصعوبةٍ على ما يبدو )
***
هي : لا ، لن أبكي لأجلكَ .. وقوفي هنا لأشمت فيك .. عليكَ أن تغورَ إلى جهنم أيها الحيوانُ
الآن بعدَما تركتني وحدي أُعاني ،، كنتُ قد اكتفيتُ بوجودِك معي وإن كنتُ أعلمُ أن قلبكَ لها
كنتُ أعلمُ أنها لن تكملَ معك .. ومن يقبلُ بك شريكًا لحياته ؟كُنتَ دومًا فظًّا لا تأبه بمن تدوس على قلبه
لِمَ رضيتُ بك ؟
لا تسأل ، ليس من حقك أن تسألني لأنك لم تهتم يومًا أن تعرفَ لِمَ أهتمُّ بكَ أنا انتهيتُ ،،
دمَّرتُ نفسي وضيَّعتَني
خذ قماشتك هذه لعلَّها تزيد عذابَك ،، هذه التي تحمل بكارَتي وإجرامَك
سأعيشُ لنفسي .. أعدُك أنِّي لن أحبَّ بعدَ اليوم
وبعد أشهر
عُدتُ للعمل بالصحافة ؛ ما عاد يُجدي الحزنُ على مثلِه ،،
أشعرُ براحة أكثرَ هذه الأيام بعدما وجدتُ من يُعجب بما أكتبُ ،
ربما هو معجبٌ بـي لا بمقالاتـي وقصصي ولكن لا ضيرَ مادامَ عارفًا بماضِـيَّ ،
صحيحٌ أنـِّي مكروهةٌ من هؤلاءِ المتأسلمين
لكنه مازال يتقربُ مِنِّي بعدما أعلنتُ أنـِّي لا أحتاجُ للغشاء الواهي لأكونَ جديرةً بمن أحب ،
مرتاحة له ؟ ليس سيئًا ، على الأقل هو مُقبلٌ عليَّ ويدافعُ عنِّي في برنامجه الإذاعيِّ ...
***
برلنت : إساف ، لِمَ تأخرتَ اليومَ ؟
إساف : لا شيء ، كنتُ على وشك المجيء
فأصرَّ صحفيُّ أن يُسَجِّلَ معي حوارًا عن المعرض الجديد الذي أقيمه في الساقية
برلنت : و نسيتَ أنـِّي أنتظرُكَ أنا والأولاد .. اليومَ عيدُ ميلاد برلنت الصغيرة يا فنان
إساف : حبيبتي لم أنسَ .. وهذه هديتُها .. ثمَّ إنـِّي لم أتأخَّر كثيرًا .
برلنت : الله .. جميلة .
إساف : ذوق فنان طبعًا
( وفي الليل كانا و بنتهما و طفلهما ذو السنتين على طاولتهما المفضلة في ذاتِ المطعم
فقدَّم السلسلةَ الذهبيةَ لطفلته وقبَّلها وأعطى الخاتمَ الألماسيَّ لأمِّها و قبَّلَ يدَها
فدمعت عيناها شاكرةً ذوقَه الرفيعَ )
***
- حسام ،، أنا حيرانة ... دعني أفكِّر وفكِّر أنت ثانيةً ،، أنت تعرف عن علاقتي السابقة ...
حسام : أعرفُ كلَّ شيء ، وأحبُّكِ .. و لن أخرجَ من هنا إلا إلى المأذون ...
طار قلبـي .. أمسكتُ يدَه وطِرنا إلى المأذون
***
آدم :
هل لي من دقيقة قبل أن تدخلني هذا الحجيم ؟
كلُّهم سَعِدُوا إلا أنا ،، لِمَ ؟
لِمَ كلُّ الظروفِ تأتـي ضِدِّي ؟؟
ما كان ذنبـي معها ؟ لأنـِّي أردتُ أن أكونَ الرجل ؟
هل كان واجبًا عليَّ أن أخضعَ لأوامرها ؟؟
لا لم أخطئ ، لم أذنب ، هي الجانية هي القاتلة
وما كان منِّي إذ رفضتُ حبَّ الأخرى ؟ ألم أخبرها أنِّي في علاقة حبٍّ ؟
لِمَ سلَّمت نفسَها لي ؟ لِمَ أتاحت لي بيتَها وجسدَها ؟
لستُ المذنبَ ،، وجودي هنا حرامٌ و ظلمٌ ..
أنا أعترضُ على منعي من الشراب و الرقص ،،
أعترض على تعذيبي ليلَ نهار كهؤلاء المعذَّبين أنا مثقفٌ محترمٌ
ها أنت تُكمِلُ العذابَ والقمعَ ..
يومَها قلتُ لك :
أنا لن أعيشَ بعدَما ألقت في وجهي خاتمي ، فإن كُنتَ ترى غيرَ ذلك فلتفعله
ولكنكَ لم تمنعني من شُرب الفودكا ولا من إغراقِ جسدي بها
وإشعالِ النارِ في روحي العاريةِ الممتلئةِ بالحـُبِّ ...
( أظلمَ المكانُ ولم أجد ردًّا غير سوط على ظهري يدفعني إلى النار )
صحت بكل قوتي :
أنت ظالم يا رب
آدم .. قصة
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
هناك ٨ تعليقات:
بالرغم من شعورى بالضياع مع بداية أحداث المقطوعة
ألا أنى أعجبت بها جداً أعجبنى تحكمها فى الاحداث بأنوثتها و ضعف رجولته بالرغم من انه ذكر
مازال يعتقد انه مادام ذكراً فعليه التحكم فى جميع النواح و الامور
اعتقد ان جملة النهاية قد تجلب عليك وابل من قذائف العنف
و لكنك قادر على مواجهتها
أحمد ولد بلال
سعيد بتعليقك
القذائف توقفت ولله الحمد
انتهى عصرها
تحياتي
آدم
عودة قوية يا ابو درعم
قرأتها قبلاً وسألتك عن أشياء بها وأعجبت جداً بوجهات نظرك في الشخصيات ومصائرها
وبالطبع فان العبارة الأخيرة قد تكون صادمة لبعض متعاطي الأدب الجدد ولكن من يفكر قليلا يري ان موقفك واضح والشخصية و اضطرابها لا يحتاج الي اشارة وبقي فقط ان نسأل عن مدي قربنا او بعدنا من مثل هذه الشخصيات؟
بالتوفيق اخي العزيز
بالمناسبة لك شئ علي مدونتي ارجو ان تأتي لاستلامه
لا تتأخر
أخي الحبيب التائه
سعيد بتعليقك جدا
أشكرك لتفهمك و ذوقك
********
ذهبت و رأيت فهالني ما رأيت
ثم تذكرت توبتي عن هذه المعصية
فاعتذرت
ليتك تقبل العذر
تحياتي
آدم
أولا: كل العذر لتأخيري عليك الفترة اللي فاتت دي كلها
ثانيا: يعجبني فيك دايما التركيز ع التفاصيل حتى الصغير منها بس ممكن برضه تحاول تختصر شوية..مش حيضر أوي
:)
ثالثا: متفهم جدا الجملة الأخيرة التي جاءت على لسان البطل رغم أنها ممكن تقلب عليك مشاكل كتيييييير بس هي في النهاية بتبقى لحظات يأس أو تشرذم
دمت بكل ود
تحياتي
حبيبي مايكووول
أهلا وسهلا يا باشا منور و الله
أولا لا تعتذر فليس بيننا اعتذارات
ثانيا ماشي يا ميكوول
ثالثا صح كده لحظات يأس و تشرذم
تفسيرك عجبني و الله
تحياتي لفهمك و ذوقك يا قمري
نورت مصر
أقصد نورت مدونتي
آدم
لما كب هذا الحزن الذي يدور بداخلك
قد خلقنا الله كما قال " في كبد "
أنت لا تحب أن تسلم و ترضى بالأمر الواقع
و تريد أن تغيره و تريد ان تحقق ذاتك فافعل يا صديق ما تشاء لكن احذر أن تضل في الطريق فلا تستطيع العودة و لا تستطيع الوصول
أعرف أن تعليقي يبتعد عن التحليل للقصة لكن أنا اعتبرتها إسقاط على روحك الفلسفية و على الواقع التي نعيشه
تقبل مودتي يا حبيب القلب
إرسال تعليق