بـُكَـائـِـيـَّـةٌ للـصَّـبَاح .. قصة

بسم الله الرحمن الرحيم
بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على نبي الهدى
ورسول الهداية صلى الله عليه وسلم
أقدم رؤية مختلفة لقصتي الهجرة التي كنت قد نشرتها قبل أشهر
راجيا أن تكون أقوى لغة وأمتن سردا و أوضح حدثا
ربما تكون القصة الأولى ذات علامة خاصة ومحبة خاصة
إلا أني لم أترك بعد مرحلة البدايات التي تفرض على المبتدئ
أن يعيد النظر فيما كتب كلما اتسعت مداركه وزادت معارفه
فينظر لأعماله الأولى نظرة تنقيح وتصفية من شوائب الضعف
ولست أدعي أني قد نضجت أدبيا فما زلت أحبو إنما تقدمت بي
دراستي لفن القصة خطوات لا بأس بها عن ذي قبل ولنترككم مع العمل

*********


تركا المقهى الذي احتسيا به القهوةَ ( الزيادة كما هو معتاد )
أحسَّ بشيءٍ في صدرِهِ من نظرةِ الشابِّ الذي قدَّم إليهما القهوةَ
ربما هي الحيرةُ ،، هل ما أفعلُهُ يستوجبُ أن يبتسمَ كهذا ؟
لـِمَ غمزَني ؟
هل ظنَّ أنـِّي التقطـتُها من أمامِ جامعِ الفتحِ أو "هاردييز التحرير" ؟؟
إنـَّها حبيبتي
الأمرُ لا يستحقُّ منِّي أن أبررَ له فِعلَتي ،
كلُّ ما استحقَّه الأمرُ أن أُحرِجَه و أصفَعه
سارا و كانت العيونُ تحيطُهم


- مالكِ ؟

- أنا تعبت

- مِـمَّ ؟

- ألا ترى الناسَ المرصوصينَ أمامَ المحلاتِ ينظرونَ لنا ؟

- لا تهتمِّي لأمرِهِم

- ولكن [ قاطعَها صوتُ المحمولِ ]

- بابا ، ألو ، أنا في الطريق لصديقتي دقائق وأصل لها لن أتأخر ،، طيب

- مَـالـَـهُ ؟

- كالعادةِ يشدِّدُ على العودةِ قبلَ العاشرةِ

ظلَّا يمشيانِ حتى وطأت أقدامُهم شارعًا لم يروه من قبلُ ،
شارعًا طويلاً مُـتَّسِعًا له حاراتٌ كثيرةٌ متفرعةٌ منهُ ،
حاراتـُـه أيضًا مُتـَّسِعَـةٌ ،
صارا يدخلانِ الحارةَ و ينفُـذانِ منها للشارعِ الطويلِ عبرَ حارةٍ أخرى
و يـُعيدانِ الكَـرَّةَ ،
هكذا حتى كانت تلكَ الحارةِ شِـبه المـُظلِمَـةِ
إلا من عامودٍ ضوءُهُ خافِتٌ قليلاً
نظرَ لها والدموعُ مُنسابةٌ فوقَ خَـدِّهِ :

- حرامٌ ما نحنُ فيهِ ، أليسَ في هذا الكونِ الشاسعِ مكانٌ صغيرٌ
يـتَّسِعُ لنا ، يشملـُنا ، يضمُّـنا ؟
أضاقت الدنيا فلم تعُد بها شقةٌ صغيرةٌ لنا ؟

- يا حبيبـي الشققُ صارت أكثرَ من الناسِ

و لكن من يستطيعُ شراءَها وتجهيزَها ودفعَ إيجارِها ؟
أينَ العملُ الذي يجلِـبُ كُـلَّ هذا المالِ ثم يفيضُ منهُ لِـنَـأكُـلَ ؟

خَـفَـتَ صوتـُها معَ الـبُكاءِ فسكتتْ ،،
كادَ يأخذُها بينَ ذراعَيـهِ و يحضنُـها ، يمسحُ حَـبَّاتِ الـدُّرِ الـمُتلألـِئَـةَ
على وجهِهَا المـُتَمَرِّدِ المغلوبِ المـُحمَرِّ الخائفِ الحانِـقِ ،،
كادَ يجذِبُ يدَها ليقبِّلَها ويربـُتَ على كتفِها لتهدأ لم يستطع ،
أحسَّ بالعجزِ حيالَ كـُلِّ شيءٍ فلا هو قادر على توفيرِ ذلكَ كُـلِّهِ ولا
على سَوْقِ كلماتِ التهدئةِ والتصبيرِ

نفدَ الكلامُ وصارت إعادتـُه شيئًا مُمِلاً رتيبًا لا يثيرُ بالنفسِ إلا الثورةَ
حاولَ أن يبتكرَ كلامًا آخرَ فرفعت رأسَها ،
ألـجَمَتْهُ الحسرةُ في عينِها
قررَ التخلي عن خوفـِه ، سيُـقـبِّـلُ جبينَها ويمسحُ على رأسِها
وسيجدُ كلامًا جديدًا سيُـخرِجُها من حُـزنِها
سمعَ سُعالَ العجوزِ الجالسِ فوقَ الكرسيِّ المتهالكِ فانتبهَ لهُ
واستدارا ، رجعا ، غلبَهُما الحياءُ فعادا


جلسا على أحدِ الأرصفةِ بالميدانِ الكبيرِ المزدحمِ ،
حاولَت مسحَ دموعِهِ فأبـَى تجنُّـبًا لنظراتِ الناسِ البشعةِ ،
وأخذَ يلعنُ الناسَ ويلعنُ ، ويلعنُ فما أوقفَ سيلَ غضبِـهِ سوى قولِها

( لا تحزن إنَّ الحبَّ معنا )

ابتسما و لاحظا الضحكَ في عينيهِما

- لـِمَ تضحكُ ؟

- ألا تـُذكِّـركِ هذه العبارةُ بشيء ما ؟

- تـُذكِّـرُني بــ برحلةِ فرارٍ أخرى ، لكـنَّها كانت لأجلِ الدِّينِ

- لا تدعي الجنون يعبث بعقلك أيتها الغضوب فيهلكك

تتـبَّعا سيرَ رحلتِـهِما فإذا بهما
قد وصلا إلى وجودِهِم على مقرُبَةٍ منَ الناسِ
لكنـَّهُما يعيشانِ في عالمٍ غير عوالمِ هؤلاءِ ،
يحلُمانِ حُلمًا مشتركـًا
للنجاةِ من تسلـُّط الواقفينَ خارجَ عالـَمِهِم فقالت :

( إنـَّهُم قريبـُونَ مِـنَّا مـا بيـننا و بينَـهُم خطواتٌ
و لـكِـنَّهُ العنكبوتُ الذي نَـسَـجَ خُيـُوطَـهُ علـَى أعيُنِهِم
فأعمَاهُم عَـنَّا )
أسكَـتَها ،،

شكَّ أنَّ عقلَها قد مسَّه بعضٌ من الطَّيفِ الذي
يمسُّ الشعراءَ و المتصوِّفةَ حينَ الحلولِ !
انتفضا عندما سمعا المارَّ يردُّ على أحدِهِـم :

- الساعة 10 و ربع

تلاقت العيونُ المبتسمةُ وهرعا للميكروباص

ظلَّا يـُردِّدانِ ( لا تَـحزَن إنَّ الحـُبَّ مَـعَـنَا ) حتى النوم

هناك ١١ تعليقًا:

z!zOoOo يقول...

السلام عليكم

يارب تكون بخير

اول تعليق ليا ( ليها فتره مش بتحصل )

رغم اني عايز انقد ونبهتك لنقطه قبل كده بس إنت حر

علي العموم ليا عوده

وينتظر الكلام لحينها

دمت بكل ود

وفي رعايه الله

الدرعمي يقول...

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، مرحبا بك زيزو العزيز ، أنتظرك .. أنا الآن في المنيا حتى تنتهي الامتحانات بإذن الله ليتنا نلتقي @ تحيتي @

mostafa rayan يقول...

بالطبع القصة هذه المرة افضل كثيرا من حيث السرد ولغةالحكي من السابقة رغم كل الضجة التي حدثت حولها
يارب تتوفق دايما للخير وللافضل
تحياتي لك يا اخي

mostafa rayan يقول...

اخي العزيز
اشكرك لوضع كتابي عندك
ويارب يعجب القراء
وليس بخفي انك احداصحاب الفضل فيه
كل شكري وامتناني لك يا اخي

الدرعمي يقول...

أشكرك يا مصطفى وربنا يديم المودة والاحترام والحب

z!zOoOo يقول...

السلام عليكم

ما احوالك اليوم يا أدم السعيد

أتمني ان تكون افضل مزاجيه أو مستقرا

وها أنا ذا أسجل عودتي

منذ فتره تناقشنا انا وانت في موضوع قصه مشابهه كان بها مجموعه من الاسقاطات
التي لم تزد نصك جمالا ولما تحظي سوي بسخط القاريء

أنا اعلم ان لك مطلق الحريه الفكريه ومساحه اكبر فيما تكتبه

لكنك تعرض افكارك هنا لمختلف العقول لتعرف قدر جمالها وقدر عيوبها وأخطائك لتتفاداها

وها هنا يوجد ايضا تعبيران فهمتهما لكن لم يعجبوني ولم اشعر فيهما بتأثر
برحله الهجره لا الفرار

اعتقد انه لا تعارضا بين ان تضع تشبيهات جماليه تخدم نصك وتبتعد بها عن الشبهات وبين ما يمكن ان تنزلق به في بئر الحرمانيات

أعتقد أن بيننا الزعل مرفوع يارفيقي

وطبعا ده رأيي من حقك تقبله او ترفضه

انا كمان يا أدم نفسي اشوفك لكن كل شيء بوقت انا دايما بقول الكلمه ديه
وسيبها للظروف اول ما هلقي فرصه هتصل بيك وهنحدد معاد

أتمنالك التوفيق من ربنا

دمت بكل ود

وفي رعايه الله

الدرعمي يقول...

أحمد الله على كل حال .. ربنا يسمع منك وأكون آدم السعيد .. وأشكر لك إبداء رأيك بذوق وأدب عاليين @ أنتظرك @

عُمر يقول...

كرأي شخصي ..

مينفعش أقارنها بالأولى ..

الأولى أحلى

:)

الدرعمي يقول...

عمر من جديد مرحبا بك و من غير مجاملة انت طلتك على المدونة بتشرح الصدر وتفتح النفس عالتدوين والكتابة .. من حيث الجمال الشكلي مفيش كلام طبعا الأولى أحلى بس كبناء سردي وقصصي الأولى كانت ضعيفة شوية عن دي وهما الاتنين ولادي و في الآخر كلها تجارب ما قبل مرحلة الإبداع وربنا يستر وتيجي بقى المرحلة دي فأنا أنتظرها .. و أنتظرك @ تحياتي @

عمرو (مواطن مصرى)0 يقول...

الدرعمى..
هنا لأشكرك على زيارتك لى فى مدونتى المتواضعة. وعذرا إن جاءت زيارتى متأخرة.

كنت قد قرأت قصتك التى سببت أزمة لدى بعض المستجيبين من قبل, والتى بحثت عنها ثانية فى الأرشيف فلم أجدها, وربما تستغرب لو علمت أن ما أعجبنى بشدة دفاعك عنها وتمسكك بموقفك والذى شعرت بقوته وردك الخاص برمزية شخصيات وأحداث أولاد حارتنا لنجيب محفوظ..

واستغربت حينما بحثت عنها فى الأرشيف فلم أجدها..
فدفاعك القوى عن إبداعك يتنافى مع شطبك له..

تحياتى إليك

الدرعمي يقول...

عمرو مواطن مصري : ليس من داع للشكر والاعتذار .. ومرحبا بك في مدونتك الثانية ، أما قصة الهجرة فهي أكثر عمل كتبته أفتخر به و أعتز به و هي الآن محفوظة في المسودات مع قصتين غيرها لم أحذفهم طبعا وذلك لأن هناك مشروع نشر فادع لي أن يتم على خير .. فأنا لا يمكنني أن أشطبها ولا يجوز أن أتخلى عن ابنتي النجيبة (الهجرة) التي نجحت فعلمتني وأفادتني من نجاحها .. أشكر لك هذا الموقف العاقل المهذب ومتابعتك الواعية وأعتذر عن تأخري عن إكمال تعليقي على موضوع ما جرى في بر مصر فالموضوع ضخم بما يحويه من نصوص لابد للقارئ أن يقرأها كثيرا جدا ليدرك الخيط الرفيع الواصل بينها جميعا وهذا ما بخل الوقت به علي فانشغلت في أكثر من موضوع منهم اقتراب امتحاناتي فادع لي @ خالص احترامي @

Related Posts with Thumbnails